فصل منه: والذي دعانا إلى تأليفِ حُجج الرسول ونظمها وجمع وجوهها وتدوينها أنها متى كانت مجموعةً منظومةً نَشِط لحفظها وتفهمها مَن كان عسى ألَّا ينشط لجَمعِها ولا يَقدِر على نَظْمها وجَمْع مُتفرِّقها، وعلى اللفظ المُؤثَر عنها، ومَن كان عسى ألَّا يعرف وجه مطلبها والوقوع عليها، ولعل بعض الناس يَعرف بعضها ويَجهل بعضها، ولعل بعضهم وإن كان قد عَرفَها بحقها وصدقها فلَم يَعرِفها من أسهل طُرقها وأَقربِ وجوهها، ولعل بعضهم أن يكون قد كان عرف فنَسِي أو تهاون بها فعَمِي، بل لا نشك أنها إذا كانت مجموعةً مُحبَّرة مُستقصاةً مُفصَّلة فإنها ستزيد في بصيرة العالِم، ويَجمع الكل لمن كان لا يعرف إلا البعض ويُذكِّر الناس ويكون عُدةً على الطاعن، ولعل بعض من ألحد في دينه وعمي عن رشده وأخطأ موضع حظه أن يدعوه العُجب بنفسه والثقة بما عنده إلى أن يلتمس قراءتها لِيَتقدَّم في نقضها وإفسادها فإذا قرأها فهمها وإذا فهمها انتبه من رَقدته وأفاق من سَكرته لِعِز الحق وذُل الباطل ولإشراف الحُجة على الشبهة، ولأن من تَفرَّد بكتابٍ فقرأه ليس كمن نازَع صاحبه وجافاه؛ لأن الإنسان لا يباهي بنفسه والحقُّ بعدُ قاهرٌ له، ومع التلاقي يحدث التباهي وفي المحافل يَقِل الخضوع ويشتد النزوع.
.
والعقلُ مُضمَّن بالدليل والدليل مُضمَّن بالعقل، ولا بدَّ لكل واحد منهما من صاحب، وليس لإبطال أحدهما وجهٌ مع إيجاب الآخر.