ومما ينبئ عن المكانة العظيمة لدور مفوضي الدولة في فرنسا أن تقاريرهم كثيرا ما تنشر في مجموعات الأحكام، وفي المجلات العلمية، بل إن تقاريرهم أقوى أثرا من الأحكام ذاتها في تطوير القانون الإداري.
وأخيرا فإن قاضي الإلغاء يستطيع الأخذ بالقرائن كوسيلة لإثبات أي واقعة مادية، أما التصرفات القانونية فلا يمكن الاعتماد على القرائن في إثباتها إلا في الحالات التي يجوز فيها الاستناد إلى شهادة الشهود.
أولا- نظام الإثبات المقيد: ويسمى أيضا بنظام الإثبات الشرعي أو القانوني، لأن القانون هو الذي يحدد طرق الإثبات المقبولة أمام القاضي وقيمة كل منها؛ بحيث لا يستطيع المدّعي إثبات حقه بغير هذه الطرق والقاضي مقيد بها وبمراتبها التي حددها القانون، ودور القاضي في هذا النظام محايد وعليه أن يقضي في حدود الأدلة التي قدمها له الطرفان.
إن هذا النص يمثل حدا لتماطل الإدارة والذي يواجه بكثرة التأجيلات التي تؤثر سلبا على حقوق المدعي من جهة، وتتيح لها من جهة أخرى ترتيب المحيط الإداري على نحو يوحي بسلامة القرار المطعون فيه، والذي صدر في ظروف مغايرة.
ولذا كان إقرارُ المرء بالحقِّ الذي عليه للغير متعينًا؛ ليُمكن إثباته، ولأن أداءَ حقوق الناس واجبٌ، وما لا يتمُّ الواجب إلا به، فهو واجب؛ ولذا فإنَّ على المسلم الاعتراف بما عليه من حقوق العباد، والمبادرة إلى الوفاء بها، دون إلجاء أصحابها إلى المخاصمة ورَفْع الأمر إلى القضاء؛ لِما في ذلك من براءة الذِّمة، والتخفُّف من حقوق العباد، قبل القدوم على الله تعالى الذي لا تَخفي عليه خافية.
لكن هذا الأصل المعروف في قواعد الإثبات المدني لا يستقيم مع ظروف الدعوى الإدارية عموما ودعوى الإلغاء خصوصا، التي تتسم بوقوف الفرد أعزلا في مواجهة امتيازات الإدارة، وعلى رأسها حيازتها للأوراق والمستندات مقابل افتقاره لها مع أنه المكلف بعبء الإثبات.